الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
فيه تقلدوا علي آغا الشعراوي واليًا على مصر. وفيه نهبوا بيت محمد آغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه. وفي ليلة الأربعاء أنزلوا محمد باشا خسرو وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحري ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية أحمد باشا الذي تولى بعد قتل طاهر باشا يومًا ونصفًا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى أنه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدومًا منخربًا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وأمرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال إن السبب في سفره إخوة طاهر باشا فإنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أنه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه. ومن الاتفاقات العجيبة أيضًا أن طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا أقام بعده اثنين وعشرين يومًا وكذلك لما غدر المصرلية بالألفي لم يقيموا بعد ذلك إلا مثل ذلك. وفيه صعد عابدي بك أخو طاهر باشا بالقلعة وأقام بها. وفي ليلة الخميس ثالثه أطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال إنه افتدى نفسه منهم بمال وأطلقوه ومعه خمسة مماليك وأعطوه خمسة جمال وأربعة هجن وخيلًا. وفيه أفرجوا عن محمد آغا المحتسب وأبقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والأسواق وأما الأمراء فإنهم باتوا أول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر إليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في المطرية وتركوا لهم الحملة ووصل إليهم أيضًا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا إليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة وأحضر معه عربانًا كثيرة من الهنادي وبني علي وغيرهم ونزلوا بإقليم الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا المزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى أن صارت أوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة. وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الأمراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لأحد من العساكر الكائنة بقبلي وإن قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم وأولادهم بمصر. وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر. وفي يوم الأحد سادسه أصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الأجناد المصرية الى القلعة. وفي عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين. وفي سابعه ظهر محمد بك الألفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادي عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الأيام وخلص إليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه وأحضر أناسًا من العرب وجعل لهم مالًا كثيرًا عليه وأخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزي البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه إشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ. وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك تابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك. وفي تاسعه وصل أحمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهري بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه. وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكًا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم. ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكًا وسواريخ. وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وأمامه المنادي وبيده فرمان من الباشا ينادي به على الرعية بالأمن والأمان والبيع والشراء. وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحري فطلب أمانًا وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الأزبكية وسكن ببيت البكري حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك. ورجع الى الأزبكية. وفيه فتحوا طلب مال الميري من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتنم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الأسباب وعدم الأمن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل إليه إلا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والأجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم أن الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميري من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذي تأخر على المفلسين. وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والأجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الأسواد لا يجسرون على الخروج إليهم. وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدًا. ووصل سعر الأردب القمح إن وجد خمسة عشر ريالًا. وفي يوم الأحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرًا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعدما أخرجوهم منها وأخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحري. وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد آغا المحتسب وكذلك عزلوا علي آغا الشعراوي وقلدوا الزعامة لشخص آخر من أتباع الباشا وقلدوا آخر أغات مستحفظان. وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم ودخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم لا يخرجون إليهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الأحد سابع عشرينه. وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر وأشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف وأشاعوا نصرتهم على المصرلية وأنهم قتلوا منهم أمراء وكشافًا ومماليك وغير ذلك. وفي ذلك اليوم شنقوا شخصًا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحني ولم يكن لهما ذنب قيل إنه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا إنكم تأخذونه وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغوري ومعهم نحو ثلاثين نفرًا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة أشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الأحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لأنه شامي وليس بأرنؤدي ولا انكشاري فقتلوه بالأزبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله أعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث. وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الفقيه العلامة والنحرير الفهامة الشيخ أحمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناحي والصبان والفرماوي وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن العريشي ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الإجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ولم يزل ملازمًا للشيخ عبد الرحمن ملازمة كلية. وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازمًا له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى إليه بجميع كتبه واستمر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحًا مستحرًا متفسلفًا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الإفتاء واعتمدوا أجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارًا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له أتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر أشهرًا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة. وألبسه كلهبر ساري عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب بصحبة قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا إليه أمر النواب بالأقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاضي بالقرعة فلم تقم إلا على المترجم فتولاه أيضًا وخلعوا عليه وركب مثل الأول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والإفتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله. ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوي ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح وأقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والإفادة ولما وردت ولاية جدة لمحمد باشا توسون طلب إنسانًا معروفًا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه إليه وأكرمه وآساه وأحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله. ومات الرئيس المبجل المهذب محمد أفندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد أفندي كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبًا للناس مشهور بالذوق وحسن الأخلاق مهذبًا في نفسه متواضعًا يسعى في حوائج إخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعًا بحاله مترفهًا في مآكله وملبسه واقتنى كتبًا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الأحباب ويدير عليهم سلاف أنسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الأحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الإقامة هنا فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه وإغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الإقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم ومات الأمير حسين بك الذي عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الألفي وكان يعرف أولًا بكاشف الشرقية لأنه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد البأس قوي الجنان. قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الأسود ولما أجمعوا على خيانة الألفي وأتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فإن أمكنكم ذلك وإلا فلا تفعلوا شيئًا فلم يزالوا يديرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على اصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش أنه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما لاقى الحجاج وأمير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى اشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردًا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تآمر المترجم في ستة عشر صنجقًا المتآمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت أوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر. ومات الأمير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه وأعتقه وجعله جوخداره. وكان يعرف أولًا برضوان الجوخدات واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر أرخى لحيته وتقلد كتخدائية أستاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدي بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الأمراء والأعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته أرباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه إليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الأمور وإذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الإرسال إليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وأدخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين أقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الإدارة فأباها واستمر على حالته معدودًا في أرباب الرياسة وتأتي الأمراء الى داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الأمراء. وحصروا ابراهيم بك ببيته وخرج في ثاني يوم هاربًا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الأحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب وأخذوا ما في جيوبه ثم أحضروا له تابوتًا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فإنه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرًا وحضرًا يافعًا وكهلًا فلم أر ما يشينه في دينه عفوفًا طاهر الذيل وقورًا محتشمًا فصيح اللسان حسن الرأي قليل الفضول بعيد النظر. ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم أفندي الروزنامجي وهو ابن أخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفى سنة سبعة ومائتين وألف وأصلهم روميون الجنس وكان في الأصل جربجيًا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارًا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان أفندي العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقًا يريد العود إليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل إليه سواه فلم تساعده الأقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من أهل بيت المتوفى فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخوله وعدم تحمله لأعباء ذلك المنصب فقال لابد من ذلك قطعًا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى أوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الأمور بالرفق والسير الحسن واشترى دارًا عظيمة بدرب الأغوات وسكنها واستمر على ذلك الى أن ورد الفرنساوية الى مصر فخرج مع من خرج هاربًا الى اشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله. واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين وألف فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل شخصًا من أبناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الأعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الأرض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار الى الأشرفية فأنزل شخصًا من حانوته وفعل به مثل ذلك فانزعج أهل الأسواق وأغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا الى بيت الباشا يشكون فعل الوالي. وسمع المشايخ بذلك فركبوا أيضًا الى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم: إن الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا الى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد آغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل. وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بإقليم الجيزة حتى وصلوا الى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج أهلها على وجوههم وعدوا الى البر الشرقي وأخذ العسكر في أهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم. وفي يوم الجمعة ثانيه سافر السيد علي القبطان الى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الأموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابًا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي الى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرًا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر. وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا الى بر انبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الأحد حادي عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقي وألقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الأخرى وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة أبلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضه وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زويلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن كاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبًا من جلد زعموا أنهم وجدوه معه وأصيب اسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير. وفي ثاني عشره حصلت أعجوبة ببيت بالغربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالإدارة فأسقطت حملًا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه. وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولًا من جهة الألفي ووصل الى جهة البساتين وأرسل الى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض أشغال فركب المشايخ الى الباشا وأخبروه بذلك فأذن بحضوره فحضر ليلًا ودخل الى بيت الشيخ الشرقاوي فلما أصبح النهار أشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به الى بيت الباشا فوجدوه راكبًا في بولاق فانتظروه حصة الى أن حضر فتركوا عنده علي كاشف المذكور ورجعوا الى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبًا بعدة كاملة وركب الى بيته وأمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضًا حصانًا. وفي شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالأزبكية. وفي يوم الاثنين تاسع عشره ورد ططري وعلى يده بشارة الباشا بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث الى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا أحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والأعيان للتهنئة. وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا ثلاثة أشخاص أحدهم رجل سروجي وسبب ذلك أن الرجل السروجي له أخ أجير عند بعض الأجناد المصرلية فأرسل لأخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فأحضروا ذلك الرجل السروجي وأحضروا أيضًا رجلًا بيطارًا متوجهًا الى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدي الى ابر الآخر ليعمل لأخصامهم نعالات للخيل فأمر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلمًا. وفي يوم الأربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان أرسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه أطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكًا ومدافع. وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهري وأقره باش مباشر الأقباط علي ما هو عليه. وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحًا من المعركة السابقة. وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه: إننا كنا صفحنا رضينا عن الأمراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الأعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا أمواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبًا بحرية وكذلك أحمد باشا الجزار بعساكر البرية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم له وقتلهم وإخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر لجبرهم ما وقع منهم من الخلل الأول وصفحنا عنهم صفحًا كليًا وأطلعنا لهم السفر والإقامة متى شاؤوا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة أحمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرئاسة الى غير ذلك وعملوا شنكًا وحراقة وسواريخ بالأزبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة من القلعة وغيرها. وفيه تواترت الأخبار بأن الأمراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية الى البر الشرقي. وفي يوم الأحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة الى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا الى البلاد وحضر كثير منهم الى مصر خوفًا من وصول القبالي. وفي يوم الخميس حادي عشرينه سافر الشيخ الشرقاوي الى مولد سيدي أحمد البدوي واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهري مسافرين أيضًا وشهلوا احتياجاتهم واستأذنوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية الى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوي ومن تابعه. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم الى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم الى مصر. وفي يوم الأربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات الى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا في إقليم الشرقية والقليوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسًا من البيادر أخذوه أو قائمًا على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه وأكلوه وذهب منهم طائفة الى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه أسيرًا ومعه إثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر أبو طويلة شيخ العائد عند الأمراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم: هذه الزروعات غالبها للعرب والذي زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وأن هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم وأما النهب فإنه يذهب هدرًا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادي وغيرهم قوله. هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه ووقع بين العربان منافسة واختلاف وكذلك حصروا كاشف القليوبية فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقي معه الى البحر ونزل في قارب وحضر الى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب وألزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل ألف ريال وألفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدمًا وحق طرق خلاف المقرر عشرين ألف فضة وأزيدز ومن استعظم شيئًا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا أهلها وأحرقوا جرونهم وقل الواردون الي المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر الى الغلال لأخبازهم لأنهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشتري زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه إلا بعد مشقة بستين نصفًا وإذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه إيصالها الى داره إلا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الأبواب وأتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بأنهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم درهم ويطلقونهم. وفي أواخره طلبوا جملة أكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة أكياس على الأقباط والسيد أحمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين وطلبوا أيضًا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا أنفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول إلا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين. شهر صفر الخير سنة 1219 استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد وفي ثانيه طاف الأعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع. وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشتري طربوشًا عتيقًا من سوق العصر بسويقة لاجين. واتهمه أنه يشتري الطرابيش للأخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلمًا. وفي سابعه نزل الأرنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع إليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع الى داره آخر النهار. وفيه أشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله الى بني سويف وفي عقبه الألفي الصغير أيضًا. وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني وأخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون. وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا الى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع. وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه إثنان وقد أفرج عنهم الأمراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا الى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوي جبرًا لخاطرهم. وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرحى وكانت لواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا أهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا الى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة. وفيه حضر أناس من الذين ذهبوا الى مولد السيد البدوي وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقًا في البحر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم ما لا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فإنه ذهب الى المحلة الكبيرة وأقام بها أيامًا ثم ذهب مشرقًا الى بلده القرين. وفيه حضر مصطفى آغا الأرنؤدي هجانًا برسالة من عند الألفي وفيها طلب أتباعه الذين بمصر فلم يأذنوا لهم في الذهاب إليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته للعثمانية. وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا الى جهة بحري وأنه وصل الى بني سويف وأن الألفي الصغير في أثره بحري منية ابن خصيب والألفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الأموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرًا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية. وفي يوم الأحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذي بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسًا وكذلك طلبوا من باقي الأعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن آغا محرم ومحمد أفندي سليم وابراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على اأقباط ألف كيس وحلف الباشا أنها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنهور والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسًا ومائة كيس وخمسين كيسًا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير. وفي يوم الاثنين أرسل الباشا الوالي والمحتسب الى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتها امرأتان فطلعا بهن الى القلعة وكذلك أرسلوا بالتفتيش على باقي نساء الأمراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام إليها أجلها ثم أمرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح أن جاريتك منور تتكلم مع صادق آغا وتقول له يسعى في أمر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته إن ثبت أن جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها وهذه وأشار الى الورقة فقالت: وما هذه الورقة أرنيها فإني أعرف أن أقرأ لأنظر ما هي فأدخلها ثانيًا في جيبه ثم قالت له أنا بطول ما عشت بمصر وقدري معلوم عند الأكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم أعداء الدين فما رأيت منهم إلا التكريم. وكذلك سيدي محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدري ولم نر منه إلا المعروف وأما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم فقال ونحن أيضًا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأي مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل أرباب الجرائم فقال أنا أرسلته لكونه أكبر أتباعي فإرساله من باب التعظيم ثم اعتذر إليها وأمرها بالتوجه الى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة وأجلسوها عنده بجماعة من العسكر وأصبح الخبر شائعًا بذلك فتكدرت خواطر الناس لذلك. وركب القاضي ونقيب الأشراف والشيخ السادات والشيخ الأمير وطلعوا الى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها وإني أنزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسمًا للفتنة لأنها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك إما العفو أو الانتقام فقال: إنها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم الى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث أنها تقدر على دفع العلوفة فينبغي أنها تدفع العلوفة فقالوا له إن ثبت عليها ذلك فإنها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام إليها الفيومي والمهدي وخاطباها في ذلك. فقالت هذا كلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى أني الخاطر بسببه فإن كان قصده مصادرتي فلم يبق عندي شيء وعلي ديون كثيرة فعالوا إليه وتكلموا معه وراددهم فقال: الشيخ الأمير للترجمان قل لأفندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فإن كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائمًا على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى آغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في إطلاقها وأنها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وأنزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت الى بيته أيضًا. وفيه شنقوا شخصًا على السبيل بباب الشعرية شكا منه أهل حارته وأنه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك. وفي يوم الخميس رابع عشره كتبوا أوراقًا وألصقوها بالأسواق بطلب ميري سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الألف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الأمراء ثمانمائة كيس.
|